حماية حقوق الإنسان والنهوض بها: دور المجتمع المدني
يكتسي توضيح حدود المجتمع المدني والدور الذي يلعبه في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها أهمية كبرى. فحماية المجموعات والأفراد وكذا حقوقهم تدخل في نطاق اختصاصات الدولة، من خلال وضع المعايير والقوانين والمؤسسات التي تستمد شرعيتها من سيادة الشعب وتكفل حماية حقوق الأفراد والمجموعات. بيد أننا نعيش في خضم مسلسل متناقض يتزامن فيه توسع فضاء الحريات والمسار الديمقراطي مع غياب التزام المجتمع المدني وغياب التعبئة السياسية ووجود أزمة ثقة بين المؤسسات والأحزاب السياسية. وأمام استمرار ردود الفعل السلطوية، يتعزز الاتجاه الذي يفيد بأن المجتمع المدني يمكن أن يعوض الدولة والأحزاب السياسية، في وقت هو غير مستعد ولا قادر على فعل ذلك. فاستعداده الأساسي يتمثل في أن يعارض السلطة بشكل بناء لا يجب أن يفهم بالضروة على أنه وقوف ضد السلطة.ومن البديهي أن دور المجتمع المدني في النهوض بحقوق الإنسان يأخذ في هذا الإطار قيمة أساسية لأن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بتكوين مواطن مسلح بما يكفي للاستفادة من حقوقه. إن الأمر يتعلق بالتمكين الذي يستلزم أن يشارك الأفراد في تحديد حقوقهم وحرياتهم. فبالإضافة إلى دور الرصد الذي يلعبه من أجل احترام حقوق الإنسان واحترام القوانين ودسترتها والحفاظ على السلامة الجسدية وصيانة الأموال المكتسبة بطريقة شرعية، وهي أمور توجد في صلب الحماية والتمكين، ينبغي على المجتمع المدني أن يضطلع بالأدوار التالية:
- قوة اقتراحية للقيم الاجتماعية الجديدة تحترم كرامة الإنسان وسلامته الجسدية وحرياته ومسؤولياته لأن كل حق يقتضي بالمقابل واجبا له؛
- قوة للتغيير من خلال تعبئة الساكنة؛
- قوة لإنتاج الأفكار بدعم من الخبراء والباحثين؛
- قوة تحفيزية على الممارسات الميدانية الجديدة، الأمر الذي يوفر للمراقبة التي يقوم بها ركيزة اجتماعية وقوة ومشروعية.
ومن البديهي كذلك أن مقاربة الرصد هذه تندرج في إطار البناء الديمقراطي الذي يستلزم:
- ضرورة أخلاقية وممارسة وآلية للعدالة وللمساواة ولسيادة القانون؛
- مراقبة الجماعة للسلط وهي طريقة تسمح للساكنة بالمشاركة في مسلسل التصور والقرار والتنفيذ ومراقبة تفعيل المشاريع التي تعنيها؛
- تمكين السكان من اختيار قادتهم بشكل حر والمشاركة في تدبير السلطة ومراقبة ممثليهم ووضع حد لمهامهم في حالة عجزهم عن القيام بذلك.
ومن هذا المنظور، وخصوصا في المجتمعات التي تعيش انتقالا ديمقراطيا، لا يمكن للمجتمع المدني أن يعمل بشكل منفرد وينبغي عليه بالتالي تقديم المساعدة في إحداث مؤسسات وطنية لحماية حقوق الإنسان. ولا يمكن لهذه المؤسسات الوسيطة أن تلعب دورها كاملا إلا إذا تمتعت باستقلالية كاملة إزاء السلطة وإلا إذا تعاونت بشكل فعال مع المجتمع المدني، حيث تكون الخزان الذي تسمع فيه أصوات المجتمع ويعبر عن الاكراهات التي تواجهها الدولة، وذلك من أجل:
- تعزيز الضمانات الدستورية في مجال حقوق الإنسان؛
- اعتماد إستراتيجية وطنية متكاملة وتفعيلها من أجل مكافحة الإفلات من العقاب؛
- إعداد ووضع السياسات العمومية في قطاعات العدل والأمن والحفاظ على النظام والتربية والتكوين المستمر والانخراط الإيجابي لكافة أفراد المجتمع؛
- تعزيز مراقبة دسترة القوانين والتنظيمات المنبثقة عن الجهاز التنفيذي؛
- ضمان الحكامة الأمنية التي تتطلب خاصة الرقي بالنصوص التنظيمية وتوضيحها ونشرها.
فضلا عن ذلك، تساهم خيارت وضرورات الانفتاح الاقتصادي وخوصصة الخدمات العمومية الأساسية في ظهور واستفحال الإقصاء الاجتماعي وكذا التجاوزات الأمنية، ومايزيد الطين بلة هي إكراهات العولمة التي تساهم في تزايد المضايقات على حرية تنقل الأشخاص واعتماد السياسات الأمنية.
وفي هذا السياق، يتوجب على المجتمع المدني من أجل القيام بدور النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها أن يعيد التفكير في علاقته مع الدولة، حيث تكون طبيعة هذه العلاقة حاسمة في الاستراتيجيات التي ينبغي اعتمادها.
- كيف يمكن التغلب على غياب الثقة والشكوك بشكل يسمح للمدافعين عن حقوق الإنسان في إطار الشراكات بالمساهمة في تحسيس رجال الأمن وتكوينهم من أجل احترام ذاتية واستقلالية الجمعيات؟
- كيف يمكن ترسيخ استقلالية البرلمانيين وجعلهم حلفاء للمجتمع المدني وقوة موازية للسلطة التنفيذية؟
- كيف يمكن مراقبة الطريقة التي يضطلع من خلالها البرلمانيون بمسؤولياتهم والتزاماتهم إزاء المواطنين؟
- كيف يمكن تفعيل مقتضيات واضحة متعلقة بفصل السلط وخاصة الميكانيزمات الدستورية والتشريعية والمؤسسية التي من شأنها أن تضمن توازنا أفضل بين الجهاز التنفيذي والتشريعي؟
هذه التساؤلات تستلزم إعادة تقويم وتعزيز العمل والمشاركة السياسية، ونفس الأمر ينطبق على الفاعلين السياسيين، علما أن المجتمع المدني لا يمكن أن يتقوى ويتطور إلا إذا تم تدعيم المجتمع السياسي الذي يقوم بوظيفة تدبير المؤسسات. وفي غياب هيئة للتنظيم أي دولة شرعية بها قوانين عادلة ويحظى فيها العدل بالاستقلالية، من المحتمل أن يتعرض المجتمع المدني الذي مازال مفهومه غامضا والمؤلف من مكونات غير منسجمة على المستوى الاجتماعي والسياسي والثقافي لآثار مرتبطة بنزعات المحلية والجهوية وانقسام الأنشطة والرؤى والخوصصة وتفاقم العنف؛ وهذه أسباب يمكن أن تمنعه من القيام بالوظيفة الأساسية المنوطة به والمتمثلة في النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها.
بقلم كمال لحبيب،__________________________________________________________
لا تعبر الأراء الواردة في هذه المقالة إلا عن رأي صاحبها