تقرير "الصحة العقلية وحقوق الإنسان: الحاجة الملحة لسياسة جديدة"
تسليط الضوء على واقع الصحة العقلية في المغرب والدعوة إلى تدخل قوي ويقظ وتفعيل تدابير عاجلة ووضع سياسة جديدة لتطوير الصحة العقلية والنهوض بها
نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان صبيحة يوم الثلاثاء 11 شتنبر 2012، بمقره بالرباط، ندوة صحفية لتقديم تقريره الأولي حول واقع الصحة العقلية في المغرب ووضعية المؤسسات الاستشفائية المكلفة بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها، تحت عنوان "الصحة العقلية وحقوق الإنسان: الحاجة الملحة لسياسة جديدة".
وخلال هذه الندوة، وضع السيد عمر بطاس، عضو مجموعة العمل المكلفة برصد انتهاكات حقوق الإنسان وحمايتها التي أنيطت بها مهمة البحث والتقصي حول واقع الصحة العقلية في المغرب، الصحافيين في إطار وسياق المهمة التي شملت إجراء زيارات ميدانية ل 20 مؤسسة/مصلحة للأمراض العقلية ودراسة القوانين ذات الصلة وتحليلها، والتي تأتي في إطار ممارسة المجلس لصلاحياته المرتبطة بحماية حقوق الإنسان، وبالتحديد المادتين الحادية عشر والثالثة عشر من الظهير المحدث له.
وبالإضافة إلى تحليل الإطار القانوني والمعياري المؤطر لمجال الصحة العقلية بالمغرب وأهداف المهمة، التي تم إنجازها، على مدى ستة أشهر، من منطلق الحق في الصحة، باعتباره حقا جوهريا وأساسيا من حقوق الإنسان، قدم السيد بطاس، وهو طبيب وأستاذ باحث في الطب النفسي، محاور التقرير وأهم النقاط التي تناولها.
وخلال كلمة ألقائها بالمناسبة، شدد رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، السيد ادريس اليزمي، على أهمية ومحورية الصحة العقلية وارتباطها الوثيق بحقوق الإنسان ولخص الاختلالات التي وقف عليها المجلس، من خلال زيارات وفده لمؤسسات الصحة العقلية، في تقادم مقتضيات الظهير الصادر في 30 أبريل 1959 المتعلق بالصحة العقلية والحالة المزرية التي توجد عليها غالبية المؤسسات الاستشفائية، من حيث هندستها وبناياتها وتجهيزاتها ومرافقها الصحية، وعدم مراعاة شروط المراقبة والسلامة وضعف أو غياب الصيانة وضعف الطاقة الإيوائية لهذه المؤسسات وعدم تكافؤ توزيعيها الجغرافي والخصاص المهول في عدد الأطباء والممرضين والممرضات والافتقار إلى فئات مهنية مفيدة وضرورية في مجال الصحة العقلية وضعف جودة الخدمات الطبية وغير الطبية المقدمة في غالبية مؤسسات ومرافق الصحة العقلية وغياب آليات المراقبة وعدم فاعليتها وعدم احترام المساطر، بالإضافة إلى تعرض المرضى العقليين للوصم والإقصاء وضعف التكفل الصحي بهم.
وبالإضافة إلى مجموعة من التدابير الآنية والمستعجلة التي يجب اتخاذها، يضيف السيد اليزمي، من قبيل حل مشكل جناح النساء بمستشفى تطوان، الذي يمس بكرامة وحرمة نزيلاته، وترميم وإصلاح بعض البنايات ووضع إطار معياري للبناء والهندسة المعمارية يحترم خصوصية مؤسسات علاج الأمراض العقلية والتخلي رسميا عن إحداث المستشفيات الجهوية السبعة التي كان مبرمج إحداثها، مع تخصيص الميزانية التي كانت مرصودة لبنائها وتجهيزها والموارد البشرية التي كان من المتوقع أن تؤطرها للمؤسسات والمصالح القائمة، يقدم تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يعتبر أول تقرير من نوعه في المغرب، عددا من التوصيات الهامة من أجل تحسين ظروف عيش الأشخاص المصابين والنهوض بمجال الصحة العقلية بصفة عامة، لعلا أبرزها تغيير قانون "الوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها"، الذي لم يطرأ عليه أي تعديل منذ إصداره في 30 أبريل 1959، بشكل جذري ووفق مقاربة تشاركية واسعة وسن نظام أساسي خاص بالممرضات والممرضين المختصين في الأمراض العقلية ووضع سياسة شاملة ومتكاملة للصحة العقلية تنخرط جميع مكونات المجتمع والفاعلين والمعنيين والمهتمين في وضع خطوطها العريضة ورسم معالمها.
إلى ذلك، يسلط التقرير الضوء على وضعية الفئات الهشة التي تحتاج إلى اهتمام خاص وعناية طبية تستجيب لظروفها وخصوصياتها، مثل النساء والأطفال والمسنين والمدمنين على المخدرات، بالإضافة إلى الدعوة إلى إحياء اليوم الدولي للصحة العقلية، الذي يحتفى به في 10 أكتوبر من كل سنة واتخاذه مناسبة وطنية للتوعية والتحسيس والنقاش والإعلام بخصوص الصحة العقلية واقتراح يوم وطني للصحة العقلية يكون فرصة لتعزيز العلاقة الوثيقة بين الصحة العقلية والحقوق الإنسانية، دون إغفال أهمية التربية والإعلام والتوعية والتحسيس لمحاربة وصم الأشخاص المصابين بأمراض عقلية وإقصائهم، ونشر ثقافة حقوق الإنسان وقيمها ذات الصلة بالصحة العقلية.
يذكر أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان ارتكز في هذا العمل على المرجعية الدولية المرتبطة بالصحة العقلية، خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال الميز العنصري والاتفاقية الدولية للأشخاص في وضعية إعاقة. كما استلهم المجلس مقتضيات دستور منظمة الصحة العالمية و"مبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي وتحسين العناية بالصحة العقلية" و"القواعد الموحدة بشأن تحقيق تكافؤ الفرص للمعوقين" بالإضافة إلى دستور منظمة الصحة العالمية وتقرير المنظمة لسنة 2011...إلخ.