المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان: 20 سنة في خدمة حقوق الإنسان
يخلد المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان منذ ماي 2010 الذكرى العشرين لإحداثه كمؤسسة وطنية مستقلة وتعددية تضطلع بهمام النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها.
ومنذ إحداثه على يد المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني، في 8 ماي 1990 وبعد تعديل الظهير المحدث له من طرف جلالة الملك محمد السادس سنة 2001، بشكل وسع اختصاصاته ومجالات تدخله طبقا لمبادئ باريس المنظمة للمؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، انخرط المجلس في مسار، تراكمي وتشاركي مع مختلف الفاعلين، من العمل على النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها في شموليتها.
ومر هذا المسار بجملة من المحطات البارزة والنوعية همت لحظات مفصلية أسهمت في مسلسل بناء دولة الحق والقانون لاسيما على مستويات وضع أسس المصالحة وتعزيزها ثم النهوض بثقافة حقوق الإنسان.
هكذا، شكل إصدار المجلس لأول تقرير عن حالة حقوق الإنسان بالمغرب سنة 2003 لحظة بارزة مكنت من التعرف على التطورات التي عرفها المغرب في هذا المجال وشكلت فيما بعد، بحكم انتظام إصدارها السنوي، رصيدا وثائقيا يتيح إمكانية القراءة الكمية والكيفية للتطور الحقوقي بالمغرب، ويقدم مؤشرات ملموسة حول مسار دولة الحق والقانون. وذلك بالنظر لشمولية تلك التقارير واحترامها للمعايير الدولية والتزامها بالموضوعية.
من جانب أخر جاء إصدار القرير الخاص بتقصي الحقائق حول أحداث الهجرة غير القانونية بسبتة ومليلية خلال خريف 2005، وقبله تشكيل لجنة للتقصي حول أحداث فاس لسنة 1990، لتعزيز دور المجلس كآلية وطنية تضطلع بمهام حماية حقوق الإنسان والتصدي للانتهاكات عبر معالجة الأحداث باستقلالية وتجرد.
أما عمل المجلس في مجال ملاحظة الانتخابات الذي خاض تجربته الأولى بمناسبة الانتخابات التشريعية لسنة 2007 وتلتها تجربة انتخابات الجماعية لسنة 2009، فقد مكن من تقوية دور الرصد والتتبع ومواكبة البناء الديمقراطي وإبداء التوصيات لتعزيز دولة الحق والقانون.
ولعل أبرز محطات هذا المسار تتجلى في تدبير ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال إصدار المجلس لتوصية بإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة التي اشتغلت على كشف الحقيقة وجبر الأضرار الفردية والجماعية للضحايا وإصدار جملة من التوصيات للقيام بإصلاحات مؤسساتية وتشريعية لتفادى تكرار ما جرى.
كما تعزز هذا المسار بتكليف المجلس بمتابعة تنفيذ توصيات الهيئة من خلال استكمال كشف الحقيقة وجبر الضرر الفردي، وتنفيذ برنامج لجبر الضرر الجماعي يشمل 11 منطقة انخرط في انجازه مختلف الفاعلين المعنيين بالإضافة إلى التعاون الدولي. ويهدف البرنامج إلى المساهمة في تنمية المناطق المعنية والحفظ الإيجابي للذاكرة وتقوية المصالحة وتحقيق الحكامة المحلية عبر دعم و تقوية قدرات الفاعلين المحليين.
في مجال الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية عمل المجلس على الإسهام في تغذية التفكير والنقاش حول إصلاح القضاء بالمغرب من خلال إصدار مذكرة في موضوع تأهيل العدالة وتقوية استقلال القضاء. ومن جهة أخرى، انكب المجلس ما بين أكتوبر 2008 ومارس 2009 على إعداد دراسة حول ملاءمة مشروع القانون الجنائي الذي أعدته الحكومة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويواصل المجلس اشتغاله على عدد من المواضيع من قبيل الحكامة الأمنية، حرية التعبير، الهجرة، الاتجار في البشر..
كما ينفذ المجلس برنامجا واسعا في مجال حفظ الذاكرة يشمل الندوات التحسيسية وحفظ أرشيفات هيئة الإنصاف والمصالحة وتدبيره معلوماتيا، وبلورة استراتيجية وطنية لإعادة تنظيم وتحديث الأرشيف، وتشجيع البحث العلمي حول التاريخ الراهن للمغرب، ودعم الأعمال والمشاريع الثقافية والفكرية والفنية والاجتماعية الرامية لحفظ الذاكرة.
وانسجاما مع المنطق التدريجي والتراكمي لهذا المسار، يستقبل المجلس المرحلة المقبلة من عمله بتركيز أكبر على مهام النهوض بحقوق الإنسان والدفاع عنها في شموليتها. وفي هذا الإطار يندرج الاشتغال على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإطلاق مشروع "الأرضية المواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان" وتنسيق مشروع إعداد "الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان". مع الاستمرار في مهام رصد الانتهاكات ومرافقة ضحاياها والاهتمام بأوضاع الفئات الهشة ( الأشخاص ذوي الإعاقة، المعوزين، الأطفال، نزلاء السجون ومستشفيات الأمراض العقلية...).